الحق تبارك وتعالى يُطمئن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يا محمد لا تهتم بكثرة الكفار ومكرهم بك وتعاونهم مع شياطين الإنس والجن؛ لأن هؤلاء سيتساقطون ويموتون، إما بأيديكم، أو بعذاب من عند الله، وعلى فَرْض أنهم عاشوا فلن تغلب قوتهم وحِيلُهم قوة الله تعالى ومكره، وإنْ توكلوا على أصنام لا تضر ولا تنفعَ، فتوكل أنت على الله:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ}[الفرقان: ٥٨] .
والعاقل لا يتوكل إلا عل مَنْ يثق به ويضمن معانوته، وأنه سيوافقك في كل ما تريد، لكن ما جدوى أنْ تتوكل على أحد ليقضي لك مصلحة، وفي الصباح تسمع خبر موته؟
وكأن الحق تبارك وتعالى يريد أن ينصِّح خَلْقه: إنْ أردتَ أنْ تتوكل فتوكل على مَنْ ينفعك ولا يتركك، على مَنْ يظل على العهد معك لا يتخلى عنك، على مَنْ لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. هذه هي الفِطْنة.
لكن ما جدوى أن تتوكل على مَنْ ليس فيه حياة؟ وعلى فرض أن فيه حياةً دائمة فلا تضمن ألا يتغير قلبه عليك؟
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}[الفرقان: ٥٨] سبِّح يعني: نزِّه، والتنزيه تضعه في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١] فلله وجود، ولك وجود، لكن وجوده تعالى ليس كوجودك، ولله صفة ولك نفس الصفة، لكن صفته تعالى ليست كصفتك، ولله تعالى فعل، ولك فعل، لكن فعله تعالى ليس كفعلك.
إذن: نزَّه الله في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله عن مشابهة الخَلْق، وما دام الحق سبحانه مُنزَّهاً في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، فأنت تتوكّل على إله لا تطرأ عليه عوامل التغيير أبداً.