بعد أن ذكر الله تعالى بعض مواكب الرسل في إبراهيم وفي موسى ونوح وصالح وهود ولوط وفي شعيب، ثم تكلَّم سبحانه عن الذين كذبوا هؤلاء الرسل {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ... }[العنكبوت: ٤٠] أراد سبحانه أن يُسلِّي رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأن لا يزعجه، ولا يرهقه، أو يتعب نفسه موقف الكافرين به الذين يصدون عن سبيل الله، ويقفون من الدعوة موقف العداء.
فقال له مُسلِّياً:{اتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب ... }[العنكبوت: ٤٥] يعني: لِمَ تحزن يا محمد ومعك الأُنْس كله، الأُنْس الذي لا ينقضي، وهو كتاب الله ومعجزته التي أنزلها إليك، فاشتغل به، فمع كل تلاوة له ستجد سكناً إلى ربك.
وإذا كان هؤلاء الذين عاصروك لم يؤمنوا به، ولم يلتفتوا إلى مواطن الإعجاز فيه فداوم أنت على تلاوته عَلَّ الله يأتي من هؤلاء بذرية تصفو قلوبهم لاستقبال إرسال السماء، فيؤمنون بما جحده هؤلاء، والأمر بالتلاوة لبقاء المعجزة.
{اتل ... }[العنكبوت: ٤٥] اقرأ ولا تعجز ولا تيأس، فالقرآن سلوة لنفسك؛ لأن الذي يرسل رسولاً من البشر بشيء أو في أمر من الأمور، ثم يكذب يرجع إلى مَنْ أرسله، فما دام قومك قد كذَّبوك، فارجع إليَّ بأن تستمع إلى كتابي الذي أنزلتُه معجزة لك تؤيدك، وانتظر قوماً يأتون يسمعون منك كلام الله، فيصادف منهم قلوباً صافية، فيؤمنون به.
وفَرْق بين الفاعل والقابل، والقرآن يُوضِّح هذه المسألة، فمن الناس مَنْ إذا سمعوا القرآن تخشع له قلوبهم، وتقشعر جلودهم، ومنهم مَنْ إذا سمعوه قالوا على سبيل الاستهزاء {مَاذَا قَالَ آنِفاً ... } [