للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلمة {وَصَّلْنَا. .} [القصص: ٥١] تُشعر بأشياء، انفصل بعضها عن بعض، ونريد أنْ نُوصِّلها، فقوله تعالى {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: ٥١] أي: وصَّلنا لهم الرسالات، فكلما انقضى عهد رسول وكفر الناس أتاهم الله برسالة أخرى ليظلَّ الخَلْق مُتصلِين بهدي الخالق وبمنهجه، أو: أن الأمر خاصٌّ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والمعنى وصَّلنا له الآيات، فكلما نزل عليه نجم من القرآن وصَّلنا بنجم آخر حسب الأحداث.

لذلك كانت هذه المسألة من الشبهات التي أثارها خصوم رسول الله، حين قالوا كما حكى عنهم القرآن {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً ... } [الفرقان: ٣٢] فردَّ عليهم القرآن ليبين لهم حكمة نزوله مُنجَّماً: {كَذَلِكَ ... } [الفرقان: ٣٢] أي: أنزلناه كذلك مُنجَّماً {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان: ٣٢] .

فلو نزل القرآن جملة واحدة لكان التثبيت لرسول الله مرة واحدة، وهو محتاج إلى تثبيت مستمر مع الأحداث التي سيتعرَّض لها، فيوصل الله له الآيات ليظل على ذَكْر من سماع كلام ربه كلما اشتدتْ به الأحداث، فيأتيه النجم من القرآن لَيُسلِّيه، ويُسرِّي عنه ما يلاقي من خصومه.

وحكمة أخرى في قوله: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان: ٣٢] فكلما نزل قِسْط من القرآن سَهُلَ عليهم حفظه وترتيبه والعمل به، كما أن المؤمنين المأمورين بهذا المنهج ستستجد عليهم قضايا، وسوف يسألون فيها رسول الله، فكيف سيكون الجواب عليها إنْ نزل القرآن جملة واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>