هنا يردُّ عليه صاحبه المؤمن مُحَاوراً ومُجادلاً ليجُلِّيَ له وَجْه الصواب:{أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ. .}[الكهف: ٣٧] أي: كلامك السابق أنا أنا، وما أنت فيه من استعلاء وإنكار، أتذكر هذا كله ولا تذكر بدايتك ومنشأك من تراب الذي هو أصل خَلْقك {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ. .}[الكهف: ٣٧] وهي أصل التناسل {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}[الكهف «٣٧] أي: كاملاً مُسْتوياً (ملو هدومك) .
و {سَوَّاكَ. .}[الكهف: ٣٧] التسوية: هي إعداد الشيء إعداداً يناسب مهمته في الحياة، وقلنا: إن العود الحديد السَّويّ مستقيم، والخطاف في نهايته أعوج، والاعوجاج في الخطاف هو عَيْن استقامته واستواء مهمته؛ لأن مهمته أن نخطف به الشيء، ولو كان الخطاف هذا مستقيماً لما أدَّى مهمته المرادة.
والهمزة في {أَكَفَرْتَ. .}[الكهف: ٣٧] ليست للاستفهام، بل هي استنكار لما يقوله صاحبه، وما بدر منه من كُفْر ونسيان لحقيقة أمره وبداية خَلْقه.
والتراب هو أَصْل الإنسان، وهو أيضاً مرحلة من مراحل خَلْقه؛ لأن الله تعالى ذكر في خلق الإنسان مرة {مِّن مَّآءٍ}[السجدة: ٨] ومرة {مِن تُرَابٍ}[آل عمران: ٥٩] ، [الروم: ٢٠] ومرة {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}[الحجر: ٢٦] ومرة {مِن صَلْصَالٍ كالفخار}[الرحمن: ١٤] .
لذلك يعترض البعض على هذه الأشياء المختلفة في خَلْق الإنسان، والحقيقة أنها شيء واحد، له مراحل متعددة انتقالية، فإنْ أضفْتَ الماء للتراب صار طيناً، فإذا ما خلطْتَ الطين بعضه ببعض