للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والآية هنا ليست آيةَ إقناع للعقول، إنما آية تُرْغمهم وتُخضع رقابهم، وتُخضع البنية والقالب، وهذا ليس كلاماً نظرياً يُقال للمكذبين، إنما حقائق وقعتْ بالفعل في بني إسرائيل. واقرأ إنْ شئت قوله تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظنوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} [الأعراف: ١٧١] .

فأخذوا ما آتيناهم بقوة، لماذا؟ بالآية التي أرغمتهم وأخضعتْ قوالبهم، لكن الحق تبارك وتعالى كما قلنا لا يريد بالإيمان أنْ يُخضع القوالب، إنما يريد أن يُخضع القلوب باليقين والاتباع.

فلو شاء ربك لآمن مَنْ في الأرض كلهم جميعاً، لا يتخلف منهم أحد، بدليل أنه سبحانه خلق الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وبدليل أنه سبحانه بعث رسلاً وعصمهم، ولم يجعل للشيطان سبيلاً عليهم، وبدليل أن الشيطان بعد أن تعهّد أن يُغوي بني آدم ليكونوا معه سواء في المعصية قال له: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] .

والشيطان نفسه يقول: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [ص: ٨٢٨٣] .

إذن لو أراد سبحانه لجعلَ الناس جميعاً مؤمنين وما عَزَّ عليه ذلك، لكنه أراد سبحانه أن يكون الإيمان باختيار المؤمن، فيأتي ربه طواعية مختاراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>