لقد كان المنافقون في أول المعركة مُختفين ومستورين، ثم ظهرت منهم بادرة الانخذال في أُحُد فكانوا أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان، ولكنهم من بعد ذلك سارعوا إلى الكفر، فكأن هناك من يلاحقهم بسوط ليتسابقوا إلى الكفر.
وها هو ذا الحق سبحانه قد حدّد عناصر المعركة، أو قوى المعركة، أو ميدان المعركة أو جنود المعركة فينبه رسوله:{وَلاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر} ولم يقل: لن يضروكم شيئا؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وصحابته المؤمنين ليسوا طرفاً في المسألة، فعداء الذين يسارعون في الكفر هو عداء لله؛ لذلك يقول الحق:{إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} . كأن المعركة ليست مع المؤمنين. ولكنها معركة الكافرين مع الله، وما دامت المعركة مع الله فالمؤمنون جند الله؛ وهم الصورة التي أرادها الله لهزيمة الكافرين:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}[التوبة: ١٤]
فلو كانت معركة الكفر مع المؤمنين بالله فقط لقال الله: ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروكم شيئا، لكن المسألة ليست هكذا، لقد أراد معسكر الكفر والنفاق أن يدخل معركة مع الله، ولا توجد قوة قادرة على ذلك، ولهذا يطمئن الله المؤمنين أكثر، ليزدادوا ثباتاً على الإيمان؛ لأن الكل من البشر مؤمنين وكفاراً أغيار، وقد يتحول بعض من البشر المؤمنين الأغيار عن المنهج قليلاً، فعندما تكون المعركة بين بشر وبشر فقد يغلب أحد الطرفين بقوته.
ومن أجل المزيد من الاطمئنان الكامل نقل الله المعركة مع الكفر إلى مسألة أخرى، إنه بجلاله وكماله وجبروته هو الذي يقف ضد معسكر الكفار. والمهم فقط أن يظل المؤمنون في حضانة الله. والرسول كان يحزنه أن يُسارع البعض إلى الكفر. فهل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يعلم أنه إنما جاء مٌبلّغًا فقط؟ . إنه يعلم ولكنه كان يحرص - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أن يؤمن الناس جميعاً ليذوقوا حلاوة ما جاء به، هذا الحرص هو الذي يدفع الحُزن إلى قلب الرسول، وعندما