الكلام هنا عن المكذِّبين والكافرين الذين سبق ذكرهم: قوم عاد، وثمود، ومدين، وقوم لوط، وقارون، وفرعون، وهامان، فكان من المناسب أنْ يذكر الحق سبحانه تعليقاً يشمل كُلَّ هؤلاء لأنهم طائفة واحدة. فقال:{فَكُلاًّ ... }[العنكبوت: ٤٠] أي: كل مَنْ سبق ذكرهم من المكذِّبين فالتنوين في {فَكُلاًّ ... }[العنكبوت: ٤٠] عوض عن كل من تقدَّم ذكرهم، كالتنوين في:{وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ}[الواقعة: ٨٤] فهو عِوَض عن جملة {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم}[الواقعة: ٨٣] .
وقوله سبحانه:{أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ... }[العنكبوت: ٤٠] والأخذ يناسب قوة الأخذ وقدرته؛ لذلك يقول سبحانه عن أخْذه للمكذِّبين {أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر: ٤٢] فالعزيز: الذي يغلب ولا يُغلب، والمقتدر أي: القادر على الأَخْذ، بحيث لا يمتنع منه أحد؛ فهو عزيز.
والأخذ هنا بسبب الذنوب {بِذَنبِهِ ... }[العنكبوت: ٤٠] ليس ظلماً ولا جبروتاً ولا جزافاً، إنما جزاءً بذنوبهم وعدلاً؛ ولذلك يأتي في تذييل الآية:
{وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[العنكبوت: ٤٠] .
ثم يُفصِّل الحق سبحانه وتعالى وسائل أَخْذه لهؤلاء المكذبين:{فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ... }[العنكبوت: ٤٠] الحاصب: هو الحصَى الصِّغار ترمي لا لتجرح، ولكن يُحْمي عليها لتكون وتلسع حين يرميهم بها الريح، ولم يقُلْ هنا: أرسلنا عليهم ناراً مثلاً؛ لأن النار ربما إنْ أحرقته يموت وينقطع ألمه، لكن رَمْيهم بالحجارة المحمية تلسعهم وتُديم آلامهم، كما نسمعهم يقولون: سأحرقه لكن على نار باردة؛ ذلك ليطيل أمد إيلامه.