إذن: فقارون وفرعون وهامان لما جاءهم موسى بآيات الله الواضحات استكبروا في الأرض، وأنفوا أن يتبعوا لا بطبيعتهم وطبيعة وجود ذلك فيهم، إنما افتعالاً لغير حق {وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ}[العنكبوت: ٣٩] فنفى عنهم أن يكونوا سابقين، كما قال سبحانه:{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}[الواقعة: ٦٠] .
والسبق لا يُمدح ولا يُذم في ذاته، لكن بنتيجته: إلى أيِّ شيء سبق؟ كما نسمع الآن يقولون: فلان رجعي، والرجعية لا تُذَم في ذاتها، وربما كان الإنسان مُسْرفاً على نفسه، ثم رجع إلى منهج ربه، فنِعمْ هذه الرجعية، فالسبق لا يُذَم لذاته، واقرأ إنْ شئت قوله تعالى:{وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ... }[آل عمران: ١٣٣] أي: سابقوا.
والمعنى هنا {وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ}[العنكبوت: ٣٩] أن هناك مضمارَ سباق، فمن سبق قالوا: أحرز قَصَب السبق، فإنْ كان مضمار السباق هذا في الآخرة أيسبقنا أحد ليفلتَ من أخْذنا له؟ إنهم لن يسبقونا، ولن يُفلِتوا من قبضتنا، ولن يُعجِزوا قدرتنا على إدراكهم.
ويقول الحق سبحانه:{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا ... } .