فإنْ عصاك الأقارب فلا تتردد في أنْ تعلنها {إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ}[الشعراء: ٢١٦] وعندها لا تراعي فيهم حَقَّ الرحم، ولا حَقّ القُرْبى، لأنه لا حَقَّ لهم؛ لذلك قال {فَقُلْ}[الشعراء: ٢١٦] ولم يقل تبرأ منهم؛ لأنه قد يتبرأ منهم فيما بينه وبينهم.
لكن الحق تبارك وتعالى يريد أنْ يعلنها رسول الله على الملأ ليعلمها الجميع، وربنا يُعلِّمنا هنا درساً حتى لا نحابي أحداً، أو نجامله لقرابته، أو لمكانته حتى تستقيم أمور الحياة.
والذي يُفسِد حياتنا وينشر فيها الفوضى واللا مبالاة أنْ ننافق ونجامل الرؤساء والمسئولين، ونُغطِّي على تجاوزاتهم، ونأخذهم بالهوادة والرحمة، وهذا كله يهدم معنويات المجتمع، ويدعو للفوضى والتهاون.
لذلك يعلمنا الإسلام أنْ نعلنها صراحة {فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ}[الشعراء: ٢١٦] وليأخذ القانون مجراه، وليتساوى أمامه الجميع، ولو عرف المخالف أنه سيكون عبرة لغيره لارتدع.
لذلك يُقال عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنه حكم الدنيا كلها، والحقيقة أنه حكم نفسه أولاً، فحكمتْ له الدنيا، وكذلك مَنْ أراد أنْ يحكم الدنيا في كل زمان ومكان عليه أنْ يحكم نفسه، فلا يجرؤ أحد من أتباعه أن يخالفه، وساعة أن يراه الناس قدوة ينصاعون له بالسمع والطاعة.