أي كما اهتدى إبراهيم إلى أن عبادة الأصنام ضلال مبين فسيريه الله ملكوت السموات والأرض ما دام قد اهتدى إلى أن هناك إلهاً حقًّا، فالإله الحق يبين له أسرار الكون:
والملكوت صيغة المبالغة في الملك، مثلها مثل «رحموت» . وهي صيغة مبالغة من الرحمة، والملكوت تعطينا فهم الحقائق غير المشهودة، فالذي يمشي وراء الأسباب المشهودة له يأخذ الملك؛ لأن ما يشهده ويحسَّه هو أمامه، والملكوت هو ما يغيب عنه، إذن ففيه «ملك» ، وفيه «ملكوت» ، الملك هو ما تشاهده أمامك، والملكوت هو ما وراء هذا الملك.
والمثال هو ما قاله سيدنا إبراهيم حينما تكلم على الشركاء لله قال سبحانه:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ العالمين الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ والذي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}[الشعراء: ٧٧ - ٨١]
ولنلحظ هنا أن الأساليب مختلفة، فهو يقول:{الذي خَلَقَنِي} ولم يقل «الذي هو خلقني» ، ثم قال {فَهُوَ يَهْدِينِ} لأن أحداً لم يدّع أبداً خلق الإنسان، وهي قضية مسلمة لله ولا تحتاج إلى تأكيد، أما هداية الناس فهناك من يدعي أنه يهدي الناس. وما يَدَّعي من البشر يؤكد ب «هو» وما لا يُدَّعي من البشر كالخلق والإماتة والإحياء لا يؤتى فيه بكلمة هو.
ويتابع سيدنا إبراهيم:{والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} وهنا قفز سيدنا إبراهيم من كل الأسباب والحلقات الظاهرية إلى الحقيقة، وعرف الغيب {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} وهو بذلك يميز بين الوسيلة للشفاء وهم الأطباء المعالجون والشافي الأعظم وهو الله - تبارك وتعالى - لأن الناس قد تفتن بالأسباب وتقول: إن الطبيب هو من