وهكذا شاء الحق أن يفضح المنافقين، هؤلاء الذين استمرأوا الاستمتاع بنفس حقوق المؤمنين لمجرد إعلانهم الإسلام، بينما تبطن قلوبهم الكفر والكيد للمسلمين. وقوله الحق:{وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بالله وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ} هو خطاب للمنافقين يكشف بطلان إيمانهم؛ ولذلك جاء قوله الحق:{أَنْ آمِنُواْ} أي: اجعلوا قلوبكم صادقة مع ألسنتكم، فالله يريد إيماناً بالقلب واللسان، فيتفق السلوك مع العقيدة. وقول الحق:{وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ} أي: انفروا للجهاد مع رسول الله، فهذا هو التعبير العملي عن الإيمان، ولا تفرحوا بتخلفكم عن القتال في سبيل الله؛ لأن الجهاد والقتال في سبيل الله شرف كبير له ثواب عظيم. وامتناع إنسان عن الجهاد هو تنازل عن خير كبير، فالحق سبحانه يعطي جزيل الأجر لمن جاهد جهاداً حقيقيّاً.
ويقول الحق سبحانه وتعالى:{استأذنك أُوْلُواْ الطول مِنْهُمْ} و «استأذن» من مادة استفعل، وتأتي للطلب، كأن تقول:«استفهم» أي: طلب أن يفهم، و «استعلم» أي: طلب أن يعلم. إذن: فقوله: {استأذنك} أي: طلبوا الإذن، ولأنهم يتظاهرون بالإيمان ويبطنون الكفر، تجدهم ساعة النداء للجهاد لا يقفون مع المؤمنين، وكان من المفروض أن يكونوا بين المجاهدين، وأن يجدوا في ذلك فرصة لإعلان توبتهم؛ ورجوعهم إلى الحق فيكون جهادهم تكفيراً عما سبقه من نفاق، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، بل طلبوا الإذن بالقعود.
ومن الذي طلب الإذن؟
إنهم أولو الطَّوْل. و «أولو» معناها أصحاب القوة والقدرة. و «الطَّوْل» هو أن تطول الشيء، أيك تحاول أن تصل إليه، فإذا لم تصل يدك إليه؛ يقال: إن هذا الشيء يدك لم تَطُلْه، أي: لم يكن في متناول يدك.