قوله تعالى:{كذلك}[طه: ١٢٧] أي: مثل هذا الجزاء {نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ}[طه: ١٢٧] والإسراف: تجاوز الحدِّ في الأمر الذي له حَدُّ معقول، فالأكْل مثلاً جعله الله لاستبقاء الحياة، فإنْ زاد عن هذا الحدِّ فهو إسراف.
دَخْلك الذي يسَّره الله لك يجب أن تنفق منه في حدود، ثم تدَّخر الباقي لترقى به في الحياة، فإنْ أنفقتَه كله فقد أسرفْتَ، ولن تتمكن من أن تُرقِّى نفسك في ترف الحياة.
ولذلك يقول الحق سبحانه:{إِنَّ المبذرين كانوا إِخْوَانَ الشياطين}[الإسراء: ٢٧] .
وللإسلام نظرته الواعية في الاقتصاديات، فالحق يريد منك أنْ تنفق، ويريد منك ألاَّ تُسرِف وبين هذين الحدَّيْن تسير دَفّة المجتمع، ويدور دولاب الحياة، فإنْ بالغتَ في حَدٍّ منهما تعطلتْ حركة الحياة، وارتبك المجتمع وبارت السلع.
وقد أوضح الحق سبحانه هذه النظرة في قوله:{والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}[الفرقان: ٦٧] .
فربُّك يريد منك أنْ تجمع بين الأمرين؛ لأن التقتير والإمساك يُعطِّل حركة الحياة، والإسراف يُجمِّد الحياة ويحرمك من الترقي، والأخذ بأسباب الترف؛ لذلك قال تعالى:{فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً}[الإسراء: ٢٩] .
وقد يكون الإسراف من ناحية أخرى: فربُّك عَزَّ وَجَلَّ خلقك،