لقد عرفنا من قبل كيف كان تداعى المعاني سببا في إرواء الحق لكل ملكات الإنسانية، وقبل هذه الآية التي تتحدث عن بناء البيت الحرام بمكة المكرمة كان هناك حديث عن سيدنا إبراهيم عليه السلام حين قال الحق:{قُلْ صَدَقَ الله فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين}[آل عمران: ٩٥]
وإبراهيم عليه السلام هو أول الأنبياء صلة بالبيت الحرام، وكان رفع قواعد البيت الحرام على يده بعد أن طمر وستر بالطوفان في عهد نوح عليه السلام، فحين يأتي الكلام في رسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام فلا بد أن تأتي أكبر حادثة في تاريخ سيدنا إبراهيم، وهي حادثة بناء البيت الحرام، كما أن الحق سبحانه حينما تكلم عن المحاجاة بين المسلمين وعلى رأسهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفي يده القرآن، وبين أهل الكتاب وفي أيديهم التوراة المحرفة والإنجيل المحرف أراد سبحانه أن يردنا إلى شيء واحد هو ملة إبراهيم الذي سمانا مسلمين. ومعنى ذلك أن الله يريد منا أن تسيطر قيم السماء على حركة أهل الأرض؛ لأن حركة أهل الأرض إن اتبعت الأهواء تصادمت الحركات، وما دامت الحركات قد تصادمت فإن ما ينتج عنها هو ضياع مجهود الحركة الإنسانية، ويصير هذا المجهود مبددا.
ولكن الإنسان الذي يحمل القيم التي تتركز عقيدة في قلبه - بعد أن يبحثها بفكره - هذا الإنسان له قالب تنفذ به تشريعات الله، ولولا وجود القالب هذا لما استطاع