الإنسان أن يطبق تشريعات الله، ولَمَا استطاع أن يؤدي هذه التشريعات، ولما استطاع أن يطيع الله بجوارحه؛ فالإنسان بغير قالب لا يستطيع أن يؤدي الحركة المطلوبة.
إذن فلا بد للقالب الإنساني - البدن - في التشريع من عملية أخرى وهي أن ينصب القالب ويكون له عمل حين يتوجه إلى بيت واحد لله، وبذلك يصبح للقالب نصيب في العبادة أيضا.
ولهذا كان لا بد أن يوجد للقالب - أيضا - مُتّجَهٌ وهذا المُتجه يحكم القالب نفسه، فكان المؤمن المسلم محكوماً قلبا وقالبا، فحين نأتي للصلاة لنكون في حضرة الله نتحرى أن يكون قالبنا متجها إلى المكان الذي أمرنا الله أن نتوجه إليه، لماذا؟
لأن الحق سبحان وتعالى ساعة يعطي رحمته وبركته وتنزلاته وإشراقاته يريد أن يكون الجسم في وضع مؤهل لاستقبال هذه التجليات؛ ولذلك كان لا بد أن يكون لله بيت يتجه إليه الجميع حتى يعطي للتدين وحدة، فكما أعطى الحق لموكب الرسالات وحدة، فإنه يعطي أيضا وحدة في القالب الإنساني والمتجَه، وكل مكان يعبد الله فيه بالنسبة للإسلام يُعتبر مسجدا، وقد يسر الله الأمر على أمة سيدنا محمد، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
«جعلت لي أرض مسجداً وطهورا» .
وكان لقاء الله وعبادته في الديانات السابقة يقتضي مكانا محددا ولكن قد وسع رحمته على أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
إن تراب الأرض طهور، إننا عندما نفتقد الماء الطهور فإن التراب الذي قد يبدو للوهلة السطحية أنه سبب في عدم النظافة قد جعله الله لنا طهورا.
إن الإنسان يمكنه أن يتيمم ويتطهر بالتراب، وكأن الله قد أراد أن يكون لقاء كل فرد من أمة محمد به ميسرا تيسيرا كبيرا. وكل مكان نعبد فيه الله ويسجد فيه المسلم لله يصير مسجدا.