كلمة {وَكَمْ. .}[القصص: ٥٨] كم هنا خبرية تفيد الكثرة، كأنك تركتَ الجواب ليدل بنفسه على الكثرة، كما تقول لمن ينكر جميلك، ولا تريد أنْ تُعدد أياديك عليه: كم أحسنتُ إليك، يعني: أنا لن أُعدِّد، وسوف أرضى بما تقوله أنت لأنك واثق أن الإجابة سوف تكون في صالحك، وعندها لا يملك إلا أن يقول: نعم هي كثيرة. فكم هنا تعني الكثرة، وينطق بها المخاطب لتكون حجة عليه.
ومعنى:{مِن قَرْيَةٍ ... }[القصص: ٥٨] من للعموم أي: من بداية ما يُقال له قرية {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا}[القصص: ٥٨] البطر: أن تنسى شُكْر المُنعم على نعمه، أي: أنه سبحانه لم يرد ذكره على بالك وأنت تتقلَّبَ في نِعمه، أو يكون البطر باستخدام النعمة في معصية المنعم عَزَّ وَجَلَّ.
ومن البطر أن يتعالى المرء على النعمة، أو يستقلها ويراها أقلّ من مستواه، كالولد الذي تأتي له أمه مثلاً بطبق العدس فيتبرَّم به، وربما لا يأكل، فتقول الأم كما نقول في العامية؛ أنت (بتتبطر) على نعمة ربنا؟ كلمة في لغتنا العامية لكن لها أصل في الفصحى.
إذن: من البطر أنْ تتجبَّر، أو تتكبر، أو تتعالى على نعمة الله، فلا ترضي بها، وتطلب أعلى منها.
ومعنى {مَعِيشَتَهَا}[القصص: ٥٨] أي: أسباب معيشتها {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين}[القصص: ٥٨] فما داموا قد بطروا نعمة الله فلا بُدَّ أن يسلبها من أيديهم، وإنْ سُلبتْ نِعم الله من بلد هلكوا، أو رحلوا عنها {إِلاَّ قَلِيلاً}[القصص: ٥٨] هم الذين يقيمون بعد هلاك ديارهم.
{وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين}[القصص: ٥٨] نرثهم لأنهم لم يتركوا مَنْ