للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يقال: طوعت الشيء إلا إذا كان الشيء متأبيا على الفعل، فلا تقل: أنا طوّعت الماء، وإنما تقول: طوّعت الحديد، وقوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} فهل نفسه هي التي ستقتل وهي نفسه التي طوَّعَت؟

ولننتبه هنا أن الإنسان فيه ملَكتان اثنتان؛ ملكة فطرية تُحبّ الحق وتُحبّ الهير، وَملَكَة أهوائية خاضعة للهوى، فالملكتان تتصارعان.

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} كأن النفس الشريرة الأهوائية تغلبت على الخيّرة، فكأن هناك تجاذبا وتصارعاً وتدافعاً؛ لأن الإنسان لا يحب الظلم إن وقع عليه. لكن ساعة يتصور أنه هو الذي يظلم غيره فقد يقبل على ذلك.

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} إنه لا يزال فيه بقيّة من آثار النُّبوة؛ لأنه قريب من آدم، ولاتزال المسألة تتأرجح معه، والشر من الأخيار ينحدر، والشر في الأشرار يصعد. فقد تأتي لرجل طيب وتثير أعصابه فيقول: إن رأيته لأضربنه رصاصة أو أصفعه صفعتين، أو أوبِّخه، والشرِّير يقول: والله إن قابلته أبصق في وجهه، أو أضربه صفعتين، أو أضربه رصاصة. إذن فالشر عند الشرِّير يتصاعد، ويجد العملية لا تكفي للغضب عنده فيصعدها. إنما نفس الخير تُنفِّس عن غضبها وبعد ذلك ينزل عنها بكلمة، ولذلك نلاحظ في سورة سيدنا «يوسف» : {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: ٨]

والعجيب أنهم جاءوا بالتعليل الذي ضدّهم؛ كي يعرفك أن الهوى والغضب والحسد والحقد تقلب الموازين، {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} هذه تدل على أنهم أقوياء. وهي التي جعلت أباه يعقوب يعطف على الضمير. أنتم تقولون: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>