كان هذا الوحي لموسى عليه السلام بعد أنِ انتهت المعركة، وانتصر فيها معسكر الإيمان، أما فرعون فقد خسر سلاحاً من أهمِّ أسلحته وجانباً كبيراً من سَطْوته وجبروته.
وهنا جمع موسى بني إسرائيل، وهم بقايا ذرية آل يعقوب ليذهب بهم إلى أرض الميعاد، وسرعان ما أعدَّ فرعون جيشه وجمع جموعه، وسار خلفهم يتبعهم إلى ساحل البحر، فإذا بموسى وقومه مُحَاصرين: البحر من أمامهم، وفرعون بجيشه من خلفهم، وليس لهم مَخْرج من هذا المأزق.
هذا حُكْم القضايا البشرية المنعزلة عن ربِّ البشر، أما في نظر المؤمن فلها حَلٌّ؛ لأن قضاياه ليست بمعزل عن ربه وخالقه؛ لأنه مؤمن حين تصيبه مصيبة، أو يمسه مكروه ينظر فإذا ربُّه يرعاه، فيلجأ إليه، ويرتاح في كَنَفِه.
لذلك يقولون: لا كَرْبَ وأنت ربٌّ، وما دام لي رب ألجأ إليه فليست هناك معضلة، المعضلة فيمن ليس له رَبٌّ يلجأ إليه.
وقد ضربنا لذلك مثلاً ولله المثل الأعلى لو أن إنساناً معه في جيبه جنيه، فسقط منه في الطريق، فإذا لم يكُنْ عنده غيره يحزن أمّا إنْ كان لديه مال آخر فسوف يجد فيه عِوَضاً عَمَّا ضاع منه، هذا الرصيد الذي تحتفظ به هو إيمانك بالله.
وهنا جاء الأمر من الله تعالى لموسى عليه السلام ليُخرجه وقومه من هذا المأزق:{أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً}[طه: ٧٧] .
أَسْرِ: من الإسراء ليلاً. أي: السير؛ لأنه أستر للسائر.