وقوله:{بِعِبَادِي}[طه: ٧٧] كملة «عبد» تُجمع على «عبيد» و «عباد» والفَرْق بينهما أن كل مَنْ في الكون عبيد لله تعالى؛ لأنهم وإنْ كانوا مختارين في أشياء، فهم مقهورون في أشياء أخرى، فالذي تعوَّد باختياره على مخالفة منهج الله، وله دُرْبة على ذلك، فله قَهْريات مثل المرض أو الموت.
أما العباد فهم الصَّفْوة التي اختارت مراد الله على مرادها، واختياره على اختيارها، فإنْ خيَّرهم:{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩] خرجوا عن اختيارهم لاختيار ربهم.
لذلك نسبهم الله إليه فقال:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر: ٤٢] وقال عنهم: {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ}[الأنبياء: ٢٦] وقال: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً}[الفرقان: ٦٣] .
ويقول الحق سبحانه:{فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً}[طه: ٧٧] أي: يابساً جافاً وسط الماء.
والضرب: إيقاع شيء من ضارب بآلة على مضروب، ومنه ضرَب العملة أي: سكَّها وختمها، فبعد أنْ كان قطعةَ معدن أصبح عملة متداولة.
وضرب موسى البحر بعصاه فانفلق البحر وانحسر الماء عن طريق جافّ صالح للمشي بالأقدام، وهذه مسألة لا يتصورها قانون البشر؛ لذلك يُطمئنه ربه {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً}[طه: ٧٧] أي: من فرعون أنْ يُدرِككَ {وَلاَ تخشى}[طه: ٧٧] أي: غرقاً من البحر؛ لأن الطريق مضروب أي: مُعَد ومُمهَّد وصالح لهذه المهمة.