وذلك إشارة إلى ما تقدم، وما تقدم هو الضلالة التي أخذوها وتركوا الهدى، والعذاب الذي أخذوه بدلاً من المغفرة، ونار يعذبون فيها، وقد صبروا عليها، إنها ثلاثة أشياء ملتقية؛ العذاب، والضلالة، والنار.
فالضلال هو السبب الأصيل في العذاب، فإذا قال الله: عاقبتهم بكذا لأنهم ضلوا، فذلك صحيح، وإذا قال: فعلت فيهم ذلك لأنهم استحقوا العذاب، فهو صادق، والعذاب كحكم عام يكون بالنار.
إذن، عندما يقول الحق: بالنار أو بالعذاب أو بالضلال فمرجعها جميعا واحد، يقال عنه:«ذلك» . {ذَلِكَ بِأَنَّ الله نَزَّلَ الكتاب بالحق} والذي يغير الكتاب ويكتمه إنما يكره الحق. {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِي الكتاب لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} . إنها هوة واسعة يسقطون فيها، فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوة كبيرة، فلو كان الخلاف في أمور مادية لأمكن للبشر أن يتحملوها فيما بينهم، ولكانت مسألة سهلة. ولكن الخلاف في أمر قيمي لا يقدر البشر على أن يصلحوه فيما بينهم، من هنا فإن شقة الخلاف واسعة، ولا يقوى على حلها إلا الله، ولذلك قال سبحانه:{إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون}[الزمر: ٣]