وقطع الطرف يتحدد بمعرفة ما هو طرف لماذا؟ فإن كان الطرف هو العدد الكثير فقطع الطرف أن يُقتل بعضه. وإن كان الطرف هو أرضا واسعة فقطع الطرف أن يأخذ من أرضهم. ولذلك يقول الحق سبحانه:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الحساب}[الرعد: ٤١]
لقد كانت الأرض الكُفْرٍيّة تخسر كل يوم جزءاً منها لينضم هذا الجزء إلى الأرض الإيمانية، هذا بالنسبة لسعة الأرض، وافرض أن الطرف هو المال، فقطع الطرف هنا يكون بأن نأخذ بعض المال كغنائم، ثم هناك المنزلة التي كانت تهابها الجزيرة كلها، كل الجزيرة تهاب قريشاً، وقوافلها التجارية للشمال والجنوب لا تستطيع قبيلة أن تتعرض لها؛ لأن كل القبائل تعرف أنها ستذهب إلى البيت في موسم الحج، فلا توجد قبيلة تتعرض لها لأنها غداً ستذهب إلى قريش، إذن فالسيادة والعظمة كانت لقريش، وساعة تعلم القبائل أن رجال قريش قد كسروا وانهزموا، وأن رحلتهم إلى الشام أصبحت مهددة، فإنهم يبحثون عن فريق آخر يذهبون إليه.
إن قطع الطرف كان على أشكال متعددة، فإن كان طرفَ عددٍ فيقتل بعضهم، وإن كان طرف أرض فبعضها يؤخذ وتذهب إلى أرض إيمانية، وإن كانت عظمة وقهرا تأتهم الهزيمة، وإن كان نفوذاً في الجزيرة فهو يتزلزل {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الذين كفروا} .
ولنلحظ أن الحق قد قال:{لِيَقْطَعَ طَرَفاً} - لم يقل ليستأصل - لأن الله سبحانه وتعالى أبقى على بعض الكفار لأن له في الإيمان دوراً، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ممتلئا بالعطف والرحمة والحنان على أمته، وكان يحسن الظن بالله أن يهديهم، ولذلك تعددت آيات القرآن التي تتحدث في هذا الأمر. ها هو ذا الحق يقول:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً}[الكهف: ٦]