وهذا ما حدث، فبعد أن اتخذوا العجل، وقال لهم: اقتلوا أنفسكم توبة إلى بارئكم، ثم تابوا إلى الله وآمنوا بما جاءهم، غفر الله لهم. وإذا كان الحق قد قص علينا مظهرية جباريته فإنه أيضاًً لم يشأ أن يدعنا في مظهرية الجبارية، وأراد أن يدخلنا في حنان الرحمانية. لذلك يقول هنا:{والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وآمنوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}[الأعراف: ١٥٣]
وقوله:{ثُمَّ تَابُواْ} أي ندموا على ما فعلوا وأصروا وعزموا على ألاَّ يعودوا، ونعلم من قبل أن التوبة لها مظهريات ثلاثة؛ أولاً: لها مظهرية التشريع، ولها مظهرية الفعل من التائب ثانياً، ولها قبولية الله للتوبة من التائب ثالثاً. ومشروعية التوبة نفسها فيها مطلق الرحمة، ولو لم يكن ربنا قد شرع التوبة سيستشري شره في السيئة فهذه رحمة بالمذنب، وبالمجتمع الذي يعيش فيه المذنب. بعد ذلك يتوب العبد، ثم يكون هنا مظهرية أخرى للحق، وهو أن يقبل توبته.
التوبة - إذن - لها تشريع من الله، وذلك رحمة، وفعل من العبد بأن يتوب، وذلك هو الاستجابة، وقبول من الله، وذلك هو قمة العطاء والرحمة منه سبحانه.
إنَّ هذا القول يدل على أن عمل السيئة يخدش الإِيمان، فيأمر سبحانه عبده: جدّد إيمانك، واستحضر ربك استحضاراً استقباليًّا؛ لأن عملك السيئة يدل على أنك قد غفلت عن الحق في أمره ونهيه، وحين تتوب فأنت تجدد إيمانك وتجد ربك غفوراً رحيماً: {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا