فيأيها المؤمنون حين تضربون في سبيل الله فتبينوا وتثبتوا فلا تعمل سيوفكم أو رماحكم أو سهامكم إلا بعد أن تتثبتوا:{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كذلك كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} .
إذن فهذه آية تجمع بين كل المعاني، ففيها الحكم وحيثيته والمراد منه، وسبحانه يبدأها بقوله:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ} ، والخطاب الإيماني حيثية الالتزام بالحكم، فلم يقل:«يا أيها الناس إذا ضربتم فتبينوا» ، ولكنه قال:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ} ، فهو يطلب المؤمنين به بحكم لأنهم آمنوا به إلهاً، وما داموا قد آمنوا فعليهم اتباع ما يطلبه الله. فحيثية كل حكم من الأحكام أن المؤمن قد آمن بمن أصدر الحكم، فإياك أيها المؤمن أن تقول:«ما العلة» أو «ما الحكمة» وذلك حتى لا تدخل نفسك في متاهة. ولا نزال نكرر هذه المسألة، لأن هذه المسألة تطفو في أذهان الناس كثيراً، ويسأل بعضهم عن حكمة كل شيء، ولذلك نقول: الشيء إذا عرفت حكمته صرت إلى الحكمة لا إلى الآمر بالحكم.
ونرىلآن المسرفين على أنفسهم الذين لا يؤمنون بإله، أو يؤمنون بالله ولكنهم ارتكبوا الكبائر من شهادة زور، إلى ربا، إلى شرب خمر، وعندما يحلل الأطباء للكشف عن كبد شارب الخمر - على سبيل المثال - نجده قد تليف، وأن أي جرعة خمر ستسبب الوفاة. هنا يمتنع عن شرب الخمر. لماذا امتنع؟ . لأنه عرف الحكمة. وقد يكون قائلها له مجوسياً، فهل كان امتناعه عن الحكم تنفيذاً لأمر إلهي؟ . لا، ولكن المؤمن يمتنع عن الخمر لأنها حرمت بحكم من الله والمؤمن ينفذ كل الأحكام حتى في الأشياء غير الضارة، فمن الذي قال: إن الله لا يحرم إلا الشيء الضار؟ إنه