كأن الحق يريد أن يقطع عليهم حجة مخالفتهم لمنهج الله، فينبه إلى عهد الفطرة والطبيعة والسجية المطمورة في كل إنسان؛ حيث شهد كل كائن بأنه إلهٌ واحدٌ أحَدٌ، ويذكرنا سبحانه بهذا العهد الفطري قبل أن توجد أغيار الشهوات فينا.
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} وهل كان أحد من الذر وهو في علم الله وإرادته وقدرته يجرؤ على أن يقول: لا لست ربي؟ . طبعاً هذا مستحيل، وأجاب كل الذر بالفطرة «بلى» . وهي تحمل نفي النفي، ونفي النفي إثبات مثل قوله الحق:{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين}[التين: ٨]
و «أليس» للاستفهام عن النفي؛ ولذالك يقال لنا: حين تسمع «أليس» عليك أن تقول «بلى» وبذلك تنفي النفي أي أثبتّ أنه لا يوجد أحكم الحاكمين غيره سبحانه، وهنا يقول الحق:«ألست بربكم» ؟ وجاءت الإجابة: بلى شهدنا. ولماذا كل ذلك؟ قال الحق ذلك ليؤكد لكل الخلق أنهم بالفطرة مؤمنون بأن الله هو الرب، والذي جعلهم يغفلون عن هذه الفطرة تحرُّك شهواتهم في نطاق الاختيار، ومع وجود الشهوات في نطاق الاختيار إن سألتهم من خلقهم؟ يقولون: الله، ومادام هو الذي خلقهم فهو ربهم.