للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله ... } [العنكبوت: ٦١]

وجاء الحق بقصة هذه الشهادة حتى لا يقولَنَّ أحدُ: {إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ}

وبذلك نعلم أن أعذار العاصين وأعذار الكافرين التي يتعللون ويعتذرون بها تنحصر في أمرين اثنين: الغفلة عن عهد الذر، وتقليد الآباء.

وما الغفلة؟ وما التقليد؟ . الغفلة قد لا يسبقها كفر أو معصية، ويقلدها الناس الذين يأتون من بعد ذلك. والمثال الواضح أن سيدنا آدم عليه السلام قد أبلغ أولاده المنهج السوي المستقيم لكنهم غفلوا عنه ولم يعد من اللائق أن يقول واحد منهم إن أباه قد أشرك. ولكن جاء هذا الأمر من الغفلة، ثم جاء إشراك الآباء في المرحلة الثانية؛ لأن كل واحد لو قلد أباه في الإشراك؛ لانتهى الشرك إلى آدم، وآدم لم يكن مشركاً، لكن الغفلة عن منهج الله المستقيم حدثت من بعض بني آدم، وكانت هذه الغفلة نتيجة توهم أن هناك تكاليف شاقةً يتطلبها المنهج، فذهب بعض من أبناء آدم إلى ما يحبون وتناسوا هذا المنهج ولم يعد في بؤرة شعورهم؛ لأن الإنسان إنما ينفذ دائماً الموجود في بؤرة شعوره. أما الشيء الذي سيكلفه مَشقَّة فهو يحاول أن يتناساه ويغفل عنه، هكذا كانت أول مرحلة من مراحل الانفصال عن منهج الله وهي الغفلة في آبائهم. وهنا يضاف عاملان اثنان: عامل الغفلة، وعامل الأسوة في أهله وآبائه. ولم تكن القضايا الإيمانية في بؤرة الشعور، ولذلك يقال: الغالب ألا ينسى أحد ما له ولكنه ينسى ما عليه؛ لأن الإنسان يحفظ ما له عند غيره في بؤرة الشعور، ويُخرج الإنسان ما عليه بعيداً عن بؤرة الشعور.

ولأن البعض قد يتصور أن في التكليف الإِيماني مشقة، لذلك فهو يحاول أن يبعد عنه وينساه، وكذلك يحاول هذا البعض أن ينأى بنفسه عن هذه التكاليف.

ونأخذ المثل من حياتنا: قد نجد إنساناً مَدِيناً لمحل بقالة أو لنجاَّرٍ وليس عنده مال يعطيه له، لذلك يحاول أن يبتعد عن محل هذا البقال، أو أن يسير بعيدا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>