والذين كذبوا بآيات الله هم إما من كذب الرسول في الآيات الدالة على صدقه وهو المبلغ عن الله، وهؤلاء دخلوا في دائرة الكفر. وإمّا هم الذين كذبوا بآيات المنهج، فلم يستخدموا المنهج على أصوله وانحرفوا عن الصراط المستقيم والطريق السوي. وهؤلاء وهؤلاء قد فسقوا، أي خرجوا عن الطاعة، ونعلم أن كلمة «الفسق» مأخوذة من خروج «الرطبة» عن قشرتها عندما يصير حجمها أصغر مما كانت عليه لاكتمال نضجها. والذي يفسق عن منهج الله هو الذي يقع في الخسران؛ لأن منهج الله هدفه صيانة الإنسان المخلوق لله ب «افعل كذا» و «لا تفعل كذا» .
إن الإنسان يفسق عندما لا يفعل ما أمره الله أن يفعله، أو يفعل ما نهاه الله عن أن يفعله. ونجد الإنسان منا يخاف على جهاز التسجيل أو جهاز التليفزيون من أن يفسد فيتبع القواعد المرعية لاستخدامه. فلا يمد - مثلاً - جهازاً من الأجهزة الكهربية بنوعية من الطاقة غير التي يحددها الصانع، فإن قال لصانع: استخدم كهرباء مقدارها مائتان وعشرون فولتاً حتى لا تفسد الآلة فالإنسان ينصاع لما قاله الصانع، فما بالنا بالإنسان، إن الله - جلت قدرته - خلق الإنسان ووضع له قوانين صيانته. إذن فمن يفسد في قوانين صيانة نفسه يمسه العذاب، وكلمة يمسهم الذعاب تعطي وتوحي بأن العقوبة تعشق أن تقع على المجرم، كأن العذاب سعى إليه ليناله ويمسه وها هوذا قول الحق عن النار. {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}[الملك: ٨] .