الآن فقط تنبهتم ووَعَيْتُم؟ الآن بعد أن مسَّكم العذاب؟
ومعنى:{مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ ... }[الأنبياء: ٤٦] أي: مساً ولمساً خفيفاً، والنفخة: هي الريح الليئة التي تحمل إليك آثارَ الأشياء دون حقيقتها، كأن تحمل لك الريحُ رائحة الورود مثلاً، هي لا تحمل لك الوورد نفسها، إنما رائحتها، وتظل الورود كما هي.
كذلك هذه المسَّة من العذاب، إنها مجرد رائحة عذاب، كما نقول لفح النار الذي نشعر به، ونحن بعيدون عنها.
والنفحة: اسم مرَّة أي: تدل على حدوثها مرة واحدة، كما تقول: جلس جَلسة أي: مرة واحدة، وهذا أيضاً دليل على التقليل. (فمسَّتْهُمْ) تقليل و (نَفْحَة) تقليل، وكونها مرة واحدة تقليل آخر، ومع ذلك يضجُّون ويجأرون، فما بالك إنْ نزل بهم العذاب على حقيقته، وهو عذاب أبديّ؟!
وقوله تعالى:{لَيَقُولُنَّ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء: ٤٦] الآن ينطقون، الآن يقولون كلمة الحق التي طالما كتموها، الآن ظهرتْ حساسية الإدراك لديهم، فمن أقلِّ القليل ومن رائحة العذاب يجأؤون، وأين كان هذا الإدراك، وهذه الحساسية من قبل؟ إذن: المسألة - كما قلنا - ليست طبيعة تكوين، إنما توجيه إدراكات.
وقولهم:{ياويلنآ ... }[الأنبياء: ٤٦] إحساس بما هم مُقبلون عليه، وهذا القول صادر عن مواجيد في النفس وفي الذِّهْن قبل أن ينطق بالكلمة، ثم يُقرُّون على أنفسهم ويعترفون:{إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء: ٤٦] .