فكأن ما حدث نتيجة لذنب تقدم ففطنوا إلى السبب، كان المفروض أنهم في معركة، وهذه المعركة أجهدتهم وأنهكتهم، صحيح أنهم لم يضعفوا، وكان المفروض أن يقولوا:«يارب انصرنا أولا» لا. بل قالوا: لا بد أن نعرف السبب في النكسة الأولى، السبب في هذه النكسة أن الله لم يسلمني إلى نفس إلا لأني نسيته.
{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا} ، {ربَّنَا} ، وانظر لكلمة النداء في {ربَّنَا} ، كان يمكن أن يقولوا: يا ألله إنما جاءوا بكلمة «ربنا» لماذا؟ لأن علاقة العبد بالربوبية هي قبل علاقته بالألوهية، فالألوهية مكلفة، فمعنى «إله» أي: معبود، وما دام معبودا فله تكليف يطاع فيه، وهذا التكليف يأتي بعد ذلك، هو سبحانه له ربوبيته في الخلق. قبل أن يكلفهم، وما دام الرب هو الذي يتولى التربية، فالأولى أن يقولوا: يارب، إذن قولهم:«ربنا» يعني أنت متولي أمورنا، أنت الذي تربينا.
{ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا} فكأنه لا شيء يصيبنا إلا بذنب من الغفلة ارتكبناه. ونعرف من كلمة «ذنب» أن الذي يفطن إلى معناه لا يفعلها أبدا، لأن كلمة «ذنب» مأخوذة من مادة «الذَنَب» . والذَّنْبُ سيأتي بعده عقوبة. فاللفظ نفسه يوحي بأن شيئا سيأتي، وعندما تتذكر عقاب الذنب فأنت لا تفعله.
{اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا} لأن كل معصية تكون تجاوزا عما أَحلَّه الله لك، وزيادة غير مشروعة وإن كانت من نوع ما أحله الله، ولكنها زيادة عن مقومات حياتك، فالله شرع لنا الزواج لنأتي بالأولاد، وعندما نأخذ أكثر من هذا من غير زواج نكون قد أسرفنا، والله أعطانا مالا بقدر حركتنا، فإن طمعنا في مال غيرنا فقد أسرفنا. «وأسرفت» يعني أن تأخذ حاجة ليست ضرورية لقوام حياتك ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول: