{قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم}[الزمر: ٥٣]
إنه سبحانه يوضح: أنا حللت لك كذا من النساء فما الذي جعل عينيك تزوغ وتميل إلى غير ما أحله الله لك؟ أنا أحللت لك كسب يدك وإن كنت فقيراً فستأخذ صدقة، لماذا أسرفت؟ إذن فكل أمر زائد على الحد المطلوب لبقاء الحياة اسمه «إسراف»{وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} . لقد بدأوا يدخلون في الحق، لكنهم في البداية رَأَوْا الباطل، والباطل هو من أسباب تخلي الحق عن نصرتنا أولا، لكن عندما يغفر سبحانه الذنب ويغفر الإسراف في الأمر نكون أهلاً للمدد وأهلاً لتثبيت الله.
{وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} كيف يقول الحق ذلك والمفهوم في المعركة أن الأقدام لا تثبت؟ المعركة تطلب من المقاتل أن يكون صوالاً جوالاً متحركا، إذن فما معنى {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} ؟ إن قول الحق:{وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} يعني لا تجعلنا نفر من أرض المعركة، ولا نترك أرض المعركة أبدا.
ولذلك قلنا: إن الكفار عندما حدث منهم ما حدث لم يظلوا في ارض المعركة، بل تركوا أرض المعركة وانصرفوا، وهؤلاء المؤمنون ولو أنهم انهزموا إلا أنهم مكثوا في أرض المعركة مدة، وكروا وراء أعدائهم وطاردوهم. وقد اهتدى البشر أخيراً إلى هذا المعنى، ففي فرنسا نيشان يسمونه «نيشان الذبابة» لماذا الذبابة؟ لأن الذبابة إن طردتها عن مكان لا بد أن تعود إليه، فكذلك المفروض على القائد - ما دام انسحب من منطقة - أن يوطن نفسه على العودة إليها، فيعطوه نيشان الذبابة.
فقوله:{وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} في أي منطقة؟ وفي أي معركة؟ علينا ألا نبرح أماكننا؛ لأننا ساعة أن نبرحها فهذه أول هزيمة، وهذا أمر يُجَرِّئ العدو علينا.
{وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} . كلمة {وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} هي حيثية، فما داموا قد قالوا:{وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} فهم إذن