للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما هي حكاية قوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الملك فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ الناس نَقِيراً} ؟

إنه - سبحانه - يصفهم بفرط البخل وشدة الشح، أي أنهم - في واقع الأمر - ليس لهم ملك الدنيا وليس لهم - أيضا - ملك الله؛ فالملك له وحده - جل شأنه - يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ولكنهم لو أعطوا ملك الدنيا وملك الله لبخلوا وضنوا بما في أيديهم. كما جاء في قوله سبحانه: {قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق وَكَانَ الإنسان قَتُوراً} [الإسراء: ١٠٠] .

أي أنكم تخشون الإنفاق حتى لا تقل الأموال عندكم، فلو أخذتم خزائن ربنا فستقولون لو أخذنا منها وأعطينا الناس لقلَّت! وفحوى العبارة: أن كل هؤلاء سواء أكانوا كفار قريش أم كبراء اليهود، كانوا يحافظون على مكانتهم وأموالهم؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جاء ليسوي بين الناس، فمن الذي يحزن؟ الذي يحزن هم الذين كانت لهم السيادة لأنهم لا يريدون أن تتساوى الرءوس، وياليتهم عندما أخذوا السيادة جعلوها خيراً للناس، لكنهم لم يفعلوا. فلو كان لهم الملك والأموال لن يُعطوا للناس نقيراً؛ لأن الإنسان بطبيعته لا ينزل عن جبروته؛ لأن هذا الجبروت يعطيه سلطاناً، وما دام الجبروت أعطاه سلطاناً فلا يلتفت إلى حقيقة الإيمان، فإن خير الخير أن يدوم الخير، فليس فقط أن تكون في خير وسلطة لكن اضمن أنه يدوم، وهذا الدوام ستأخذه بعمر الدنيا وأمدها قليل وعمرك فيها غير مضمون، إذن فدوام الخير هناك في الآخرة: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: ٣٣] .

فأنتم إن كنتم تحرصون على هذا الجاه، وتريدون أن يكون لكم هذا الملك والجاه والعظمة فهل أنتم تعطون الناس من خيركم هذا حتى يكون هناك عذر لكم في الحرص على المال بأن الناس تستفيد منكم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>