وسبحانه يوضح أمر هذه النجوى التي تحمل التبييت للإضلال، ولكن ماذا إن كانت النجوى لتعين على حق؟ إنه سبحانه يستثنيها هنا؛ لذلك لم يصدر حكماً جازماً ضد كل نجوى، واستثنى منها نجوى مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، بل ويجزى عليها حسن الثواب. لذلك قال:{وَمَن يَفْعَلْ ذلك ابتغآء مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} . ويستخدم الحق هنا كلمة «سوف» ، وكان من الممكن أن يأتي القول {فسنؤتيه أجراً عظيماً «لكن لدقة الأداء القرآني البالغة جاءت بأبعد المسافات وهي» سوف «.
ونعرف أن جواب شرط الفعل إذا ما جاء على مسافة قريبة فنحن نستخدم» السين «، وإذا ما جاء جواب الشرط على مسافة بعيدة فنحن نستخدم» سوف «. وجاء الحق هنا ب» سوف «لأن مناط الجزاء هو الآخرة، فإياك أيها العبد المؤمن أن تقول: لماذا لم يعطني الله الجزاء على الطيب في الدنيا؟؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لم يقل:» فسنؤتيه «ولكنه قال: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} مما يدل على أن الفضل والإكرام من الله؛ وإن كان عاجلاً ليس هو الجزاء على هذا العمل؛ لأن جزاء الحق لعبادة المؤمنين سيكون كبيراً، ولا يدل على هذا الجزاء في الآخرة إلاّ» فسوف «. ونعرف أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين يمني أمته الإيمانية بشيء فهو يمنيها بالآخرة، ولننظر إلى بيعة العقبة عندما جاء الأنصار من المدينة لمبايعة رسول الله: