لأنهم قالوا: إنما تنزَّلت الشياطين على محمد بالقرآن، وكانوا يقولون ذلك لكل شاعر ماهر بشعره عندهم، فلكل شاعر شيطان يُمليه الشِّعْر، وعندهم وادٍ يُسمَّى وادي «عبقر» هو وادي الجن، فيقولون: فلان عبقري أي: موصول بالجن في هذا الوادي.
لكن، كيف والكتاب نزل على محمد عدو للشياطين، يلعنهم في كل مناسبة، ويُحذِّر أتباعه منهم:{الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء}[البقرة: ٢٦٨] ويقول الحق سبحانه: {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير}[فاطر: ٦] .
فكيف إذن يمده الشيطان ويُمليه عليه، وهو عدوه؟ ولماذا لم يأتكم وأنتم أحباءه؟ هذه واحدة.
الاخرى:{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}[الشعراء: ٢١١] إن الله جعل القرآن مُعْجزاً ومنهجاً، والمعجزة لا يتسلَّط عليها إنس ولا جن فيفسدها، لذلك قال سبحانه:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] .
أما الكتب السابقة فقد طلبتْ من المؤمنين بها أنْ يحفظوها، وفَرْق بين الحفظ مني، وطلب الحفظ منكم؛ لأن الطلب تكليف وهو عُرْضة لأنْ يُطاع ولأنْ يُعصَى، وقد جربنا حفظ البشر فلم يحافظوا على كتبهم السابقة؛ لذلك تولّى الحق سبحانه وتعالى حِفْظ قرآنه