وساعة ينادي الله {ياأيها الذين آمَنُواْ} فهذا النداء هو حيثية الحكم الذي سيأتي، ومعنى هذا القول: أنا لم أكلفكم اقتحاما على إرادتكم؛ أو على اختياركم، وإنما كلفتكم لأنكم دخلتم إلى من باب الإيمان بي، ومادمتم قد آمنتم بي فاسمعوا مني التكليف.
فالله لم يكلف من لم يؤمن به، ومادام الله لا يكلف إلا من آمن به فإيمانك به جعلك شريكا في العقد، فإن كتب عليك شيئا فأنت شريك في الكتابة، لأنك لو لم تؤمن لما كتب، فكأن الصفقة انعقدت، ومادامت الصفقة قد انعقدت فأنت شريك في التكليف، ولذلك يقول الله:{كُتب} بضم الكاف. ولم يقل «كَتب» بفتح الكاف. وتلحظ الفرق جليا في الأشياء التي للإنسان دخل فيها، فهو سبحانه يقول:{كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي}[المجادلة: ٢١]
إنه سبحانه هنا الذي كتب، لأنه لا شريك له. عندما تقرأ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} فافهم أن فيها إلزاما ومشقة، وهي على عكس «كتب لكم» مثل قوله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا}[التوبة: ٥١]
إن «كتب لنا» تشعرنا أن الشيء لمصلحتنا. وفي ظاهر الأمر يبدو أن القصاص مكتوب عليك، وساعة يكتب عليك القصاص وأنت قاتل فيكون ولي المقتول مكتوباً له القصاص، إذن كل «عليك» مقابلها «لك» ، وأنت عرضة أن تكون قاتلا أو مقتولا. فإن كنت مقتولا فالله كتب لك. وإن كنت قاتلا فقد كتب الله عليك. لأن الذي «لي» لابد أن يكون «على» غيري، والذي «عليّ» لابد أن يكون «لغيري» . فالتشريع لا يشرع لفرد واحد وإنما يشرع للناس أجمعين.