ومادمتم لا تملكون العلم فمن المحتمل انكم تملكون شهوداً على ما تقولون. والخطاب:{هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ} هو خطاب للجماعة، و «هلم» يستوي فيها المفرد والمفردة والمثنى مذكراً كان أم مؤنثاً. والجمع مذكراً أو مؤنثاً، فتقول: هلم يا زيد إليّ، وهلم يا هند إليّ، وهلم أيضاً لجماعة الذكور ولجماعة الإناث، وهذه لغة الحجازيين. وتختلف عن لغة بني تميم التي يزيدون علها فيقال:«هلم يا رجل» ، و «هلمي يا امرأة» ، و «هلما، وهلموا، وهلممن» . والقرآن نزل بلغة قريش «الحجازيين» ، والحق يقول:{هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ} . أي هاتوا وأحضروا شهداءكم أن الله حرّم هذا، لإنكم بلا علم، وكذلك لا شهود عندكم على المدعي؛ فإن كان عندكم شهود هاتوا هؤلاء الشهود.
وماذا إن أحضروا شهود زور؟ إنه - سبحانه - يحذر رسوله ويوضح له أنهم حتى ولو أحضروا شهداء إياك أن تصدقهم فهم كذابون:
وكأن الله يريد أن يفضح الشهود أيضاً أمام المشهود أمامهم، ويعطي أيضاً قضيتين اثنتين؛ فسبحانه يدحض ويبطل حجتهم، ويفضح الشهود الذين جاءوا بهم. فكأنه قال: هاتوا هؤلاء الذين قالوا لكم هذا الكلام، وفي ذلك فضيحة لمن لقنهم هذه الأوامر.
ويأمر الحق رسوله ألا يتبع الذين كذبوا بآياته سبحانه. وكلمة «أهواء» ، جمع هوى، وهو ما يختمر في الذهن ليلوي الإِنسان عن الحق؛ فهو شهوة ترد على الذهن فتجعله يعدل عن الحق:{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا والذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة}[الأنعام: ١٥٠]