نلحظ هنا أن موسى عليه السلام يعرض على فرعون قضايا لا تخصُّ فرعون وحده، إنما تمنع أنْ يوجد فرعون آخر.
وقوله:{مِنْهَا}[طه: ٥٥] أي: من الأرض التي سبق أنْ قال عنها: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً}[طه: ٥٣] .
ثم ذكر لنا مع الأرض مراحل ثلاث:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى}[طه: ٥٥] .
وفي آية أخرى يذكر مرحلة رابعة، فيقول:{فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[الأعراف: ٢٥] .
بذلك تكون المراحل أربعة: منها خلقناكم، وفيها تحيَوْن، وإليها تُرجعون بالموت، ومنها نُخرجكم بالبعث.
فقوله تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ}[طه: ٥٥] الخلْق قِسْمان: خَلْق أولي، وخَلْق ثانوي، الخلق الأَوليّ في أدم عليه السلام، وقد خُلِق من الطين أي: من الأرض. ثم الخَلْق الثاني، وجاء من التناسل، وإذا كان الخَلْق الأَوْلي من طين، فكل ما ينشأ عنه يُعَدّ كذلك؛ لأنه الأصل الأول.
ويمكن أن نُوجِّه الكلام توجيهاً آخر، فنقول: التناسل يتولد من ميكروبات الذكورة وبويضات الأنوثة، وهذه في الأصل من الطعام والشراب، وأصله أيضاً من الأرض. إذن: فأنت من الأرض بواسطة أو بغير واسطة.
وإنْ كانت قضية الخَلْق هذه قضية غيبية، فقد ترك الخالق في كونه عقولاً تبحث وتنظر في الكون، وتعطينا الدليل على صِدْق هذه القضية، فلما حلّل العلماء طينة الأرض وجدوها ستة عشر عنصراً