المسرف: هو الذي يتجاوز الحدِّ؛ وتجاوز الحدِّ له مراحل؛ لأن الله تعالى أحلَّ أشياء، وحرّم أشياء، وجعل لكل منهما حدوداً مرسومة، فالسَّرَف فيما شرع الله أن تتجاوز الحلال، فتُدخل فيه الحرام.
أو: يأتي الإسراف في الكَسْب فيدخل في كَسْبه الحرام. وقد يُلزم الإنسان نفسه بالحلال في الكسب، لكن يأتي الإسراف في الإنفاق فينفق فيما حرَّمه الله. إذن: يأتي الإسراف في صور ثلاثة: إما في الأصل، وإما في الكسب، وإما في الإنفاق.
ونلحظ أن الحق تبارك وتعالى حينما يكلمنا عن الحلال، يقول سبحانه:{تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا}[البقرة: ٢٢٩] .
أما في المحرمات فيقول سبحانه:{تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا}[البقرة: ١٨٧] أي: ابتعد عنها؛ لأنك لا تأمن الوقوع فيها، ومَنْ حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. فلم يقل الحق سبحانه مثلاً: لا تُصَلُّوا وأنتم سكارى. إنما قال:{لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى}[النساء: ٤٣] .
والمعنى: خُذِ الحلال كله، لكن لا تتعداه إلى المحرَّم، أما المحرَّم فاحذر مجرد الاقتراب منه؛ لأن له دواعي ستجذبك إليه.
ونقف عند قوله تعالى:{وَلاَ تطيعوا أَمْرَ المسرفين}[الشعراء: ١٥١] حيث لم يقل: ولا تسرفوا، وكأن ربنا عزّ وجلّ يريد