بعد أن تحدث الحق تبارك وتعالى عن الجنة. . وأعطانا مثلا يقرب لنا صور النعيم الهائلة التي سينعم بها الإنسان في الجنة. . أراد أن يوضح لنا المنهج الإيماني الذي يجب أن يسلكه كل مؤمن. . ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف كافرا بعبادته. . ولكن الإنسان الذي ارتضى دخول الإيمان بالله جل جلاله قد دخل في عقد إيماني مع الله تبارك وتعالى. . ومادام قد دخل العقد الإيماني فأنه يتلقى عن الله منهجه في افعل ولا تفعل. . وهذا المنهج عليه أن يطبقه دون أن يتساءل عن الحكمة في كل شيء. . ذلك أن الإيمان هو إيمان بالغيب. . فإذا كان الشيء نفسه غائبا عنا فكيف نريد أن نعرف حكمته. .
إن حكمة أي تكليف إيماني هي: أنه صادر من الله سبحانه وتعالى، ومادام صادرا من الله فهو لم يصدر من مُساوٍ لك كي تناقشه، ولكنه صادر من إله وجبت عليك له الطاعة لأنه إله وأنت له عابد. . فيكفي أن الله سبحانه وتعالى قال افعل حتى نفعل. . ويكفي أنه قال لا تفعل حتى لا نفعل. .
الحكمة غائبة عنك. . ولكن صدور الأمر من الله هو الحكمة، وهو الموجب للطاعة. . فأنا أصلي لأن الله فرض الصلاة، ولا أصلي كنوع من الرياضة. . وأنا أتوضأ لأن الله تبارك وتعالى أمرنا بالوضوء قبل الصلاة. . ولكنني لا أتوضأ كنوع من النظافة. . وأنا أصوم لأن الله أمرني بالصوم. . ولا أصوم حتى أشعر بجوع الفقير. . لأنه لو كانت الصلاة رياضة لاستبدلناها بالرياضة في الملاعب. . ولو أن الوضوء كان نظافة لقمنا بالاستحمام قبل كل صلاة. . ولو أن الصوم كان لنشعر بالجوع ما وجب على الفقير أن يصوم لأنه يعرف معنى الجوع. .