ونعلم أن الحق حينما يتكلم، يأتي بضمير التكلم. وضمير التكلم له ثلاثة أوجه، فهو يقول مرة:«إنا» ومرة ثانية: «إنني» وثالثة يخاطب خلقه بقوله: «نحن» . وهنا يقول:{إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ} . ونشاهد في موقع آخر من القرآن الكريم قوله الحق:{إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ}[طه: ١٤]
وفي موضع ثالث يقول:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]
لأن الذكر يحتاج إلى صفات كثيرة ومتنوعة تتكاتف لتنزيل الذكر وحفظه. وحين يخاطب الله خلقه يخاطبهم بما يُجلي مواقع الصفات من الكون الذي نعيش فيه. والكون الذي نعيش فيه يمتلئ بالكائنات التي تخدم الإنسان، وهذه الكائنات قد احتاجت إلى الكثير لتهيئ للإنسان الكون قبل أن يوجد الإنسان، وذلك حتى يأتي إلى الكون ليجد نعم الله له؛ فالإنسان هو الذي طرأ على كون الله.
هذا الكون الذي صار إلى إبداع كبير احتاج إلى صفات كثيرة لإعداده، احتاج إلى علم عن الأشياء، وإلى حكمة لوضع كل شيء في مكانه، ولقدرة تبرزه، وإلى غنى بخزائنه حتى يفيض على هذا الموقع بخير يختلف عن خير الموقع الآخر، وساعة يكون العمل مُتطلباً لمجالات صفات متعددة من صفات الحق، يقول سبحانه:«إنَّ» أو «نحن» . وعندما يأتي الحديث عن ذات الحق سبحانه وتعالى يقول:«إني أنا الله» . ولا تأتي في هذه الحالة «إنَّا» ولا تأتي «نحن» .
والحق هنا يقول:{إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أي أنه أوحى بمنهج ليصير الإنسان سيداً في