للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطعام والشراب والهواء مُقوِّمات الحياة التي ضمنها الله عَزَّ وَجَلَّ لنا، والأمر بالأكل هنا للإباحة، وليست فَرْضاً عليك أنْ تأكل إلا إذا أردتَ الإضراب عن الطعام إضراباً يضرُّ بحياتك فعندها تُجبر عليه.

وقوله: {مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [طه: ٨١] خصَّ الطيبات؛ لأن الرزق: منه الطيب، ومنه غير الطيّب، فالرزق: كُلّ ما انتفعتَ به ولو كان حراماً. بمعنى أن ما نِلْتَه من الحرام هو أيضاً من رزقك إلا أنك تعجَّلته بالحرام، ولو صبرْتَ عليه وعففْتَ نفسك عنه لَنِلْتَ أضعافه من الحلال.

ثم يقول تعالى: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} [طه: ٨١] وفي آية البقرة {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: ١١٨] فكأن ظلمَ النفس عِلَّته أنهم طَغَوْا في الأكل من الرزق.

والطغيان: من طغى الشيء إذا زاد عن حَدِّه المألوف الذي ينتفع به، ومنه طغيان الماء إذا زاد عن الحدِّ الذي يزيل الشَّرق والعطش إلى حَدِّ أنه يُغرق، كما قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} [الحاقة: ١١] أي: تجاوز الحد الذي ينتفع به إلى العَطَب والهلاك.

وهكذا في أي حَدٍّ، لكن كيف تتأتى مجاوزة الحد في الطعام والأقوات؟

الحق تبارك وتعالى لما خلق الأرض قدَّر فيها أقواتها إلى يوم القيامة، فقال تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} [فصلت: ١٠] .

فاطمئنوا إلى هذه المسألة، وإذا رأيتم الأرض لا تعطي فلا تتهموها، إنما اتهموا أنفسكم بالتقصير والتكاسل عن عمارة

<<  <  ج: ص:  >  >>