جاء هذا الأمر من الحق الأعلى سبحانه؛ ليخرق بالمعجزة نواميس الكون السائدة، ولا يخرق الناموسَ إلا خالقُ الناموس، كما قلنا في قصة موسى عليه السلام: الماء قانونه السيولة والاستطراق، ولا يسلبه هذه الخاصية إلا خالقه؛ لذلك فَرَقه لموسى فُرْقاناً - كما قلنا - كلُّ فِرْق كالطَّوْد العظيم، فلا يُعطّل قانون الأشياء إلا خالقها؛ لأن الأشياء لم تُخلق لتكون لها القدرة على قيُّومية نفسها، بل مخلوقة تُؤدِّي مهمة، والذي خلقها للمهمة هو القادر أنْ يسلبَها خواصّها.
وفَرْق بين فِعْل العبد وفِعْل الحق سبحانه: فلو أنَّ في يدك مسدساً، وأنت تُحسِن التصويب، وأمامك الهدف، ثم أطلقتَ تجاه الهدف رصاصة، أَلَكَ تحكُّمٌ فيها بعد ذلك؟ أيمكن أنْ تأمرها أن تميلَ يميناً أو شمالاً؟
لكن الحق سبحانه يتحكّم فيها، ويُسيِّرها كيف يشاء، فالحق سبحانه خلق النار وخلق فيها خاصية الإحراق، وهو وحده القادر على سَلْب هذه الخاصية منها، فتكون ناراً بلا إحراق، فليس للنار قيومية بذاتها.