قوله تعالى {اذهب} أمر يحمل معنى الطرد والإبعاد. {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ. .}[الإسراء: ٦٣] أي: الذين اتبعوك وساروا في ركابك فجزاؤهم جهنم.
ونلاحظ أن الحق سبحانه قال:{جَزَآؤُكُمْ} . ولم يقل (جزاؤهم) لأنه معهم وداخل في حكمهم، وهو سبب غوايتهم وضلالهم، وكذلك هو المخاطب في الآية الكريمة، وحتى لا يظن إبليس أن الجزاء مقصور على العاصين من ذرية آدم، أو يحتج بأنه يُنفّذ أوامر الله الواردة في قوله تعالى:{واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً}[الإسراء: ٦٤]
فليست هذه أوامر يراد تنفيذها؛ لأن هناك فرقاً بين الأمر الذي يُراد منه تنفيذ الفعل، والأمر الذي لا يُراد منه التنفيذ. فالأول طَلَب أعلى من أَدْنى لكي يفعل: اكتب، اجلس. لكن إذا اتجه الأمر إلى غير مطلوبٍ عادةً من العقلاء ينصرف عن الأمر إلى معنى آخر.
وهذا كما تقول لولدك مراراً: ذاكر دروسك واجتهد، وإذا به لا يهتمّ ولا يستجيب فتقول له: العب كما تشاء، فهل تقصد ظاهر هذا الأمر؟ {وهل لو أخفق الولد في الامتحان سيأتي ليقول لك: يا والدي لقد قلت لي العب؟}
إن الأمر هنا لا يُؤخَذ على ظاهره، بل يُراد منه التهديد، كما يقولون في المثل (أعلى ما في خَيْلك اركبه) .