والاحتناك: يَرِد بمعنيين: الأول: الاستئصال. ومنه قولهم: احتنك الجراد الزرع. أي: أتى عليه كله واستأصله، والآخر: بمعنى القهر على التصرف، مأخوذ من اللجام الذي يُوضَع في حنَك الفرس، ويسمونه (الحنكة) وبها تستطيع أن تُوجّه الفرس يميناً أو يساراً أو تُوقِفه، فهي أداة التحكّم فيه، والسيطرة عليه قَهْراً.
فالاحتناك قد يكون استئصالاً للذات، وقد يكون قهراً لحركتها.
وقوله سبحانه:{إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء: ٦٢] فيها دليل على عِلْم إبليس ومعرفته بقدرة الله تعالى، فعرف كيف يقسم به حين قال:{فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: ٨٢] والمعنى: بعزتك عن خَلْقك: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩] .
سأدخل من هذا الباب، أما عبادك الذين هديتهم واصطفيتهم فلا دَخْلَ لي بهم، وليس لي عليهم سلطان، لقد تذكر قدرة الله، وأن الله إذا أراد إخلاص عبده لنفسه لا يستطيع الشيطان أنْ يأخذَه، فقال:{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين}[ص: ٨٣]
فقوله:{إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء: ٦٢] هذا القليل المستثنى هم المؤمنون الذين اختارهم الله وهداهم، ولم يجعل للشيطان عليهم سبيلاً.
ثم يقول الحق سبحانه:{قَالَ اذهب فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً} .