فقوله تعالى:{أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ. .}[الإسراء: ٦٢] أي: أعلمني، لماذا فضلته عليَّ، وكأن تفضيل آدم على إبليس مسألة تحتاج إلى برهان وتبرير، وكان على إبليس أن ينتظر إجابة هذا السؤال الذي توجه به لربّه عَزَّ وجل، ولكنه تعجَّل وحمله الغيظ والحسد على أن يقول:{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء: ٦٢]
وهذا لأن حقده وعداوته لآدم مُسْبقة فلم ينتظر الجواب.
ومعنى:{أَخَّرْتَنِ} أخَّرت أجلي عن موعده، كأنه يعلم أن الله يجعل لكل نفس منفوسة من إنس أو جنٍّ أجلاً معلوماً، فطلب أنْ يُؤخِّره الله عن أجله، وهذه مبالغة منه في اللدد والعناد، فلم يتوعدهم ويُهدّدهم مدة حياته هو، بل إلى يوم القيامة، فإن كانت البداية مع آدم فلن ينجو ولن تنجو ذريته أيضاً.
فالعداوة بين إبليس وآدم، فما ذنب ذريته من بعده؟ لقد كان عليه أن يقصر هذا الحقد، وهذه العداوة على آدم، ثم يوصي ذريته بحمل هذا العداء من بعده، إنه الغيظ الدفين الذي يملأ قلبه.
وقد أمهله الحق سبحانه بقوله:{إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ}[الأعراف: ١٥]
ومعنى:{لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ}[الإسراء: ٦٢] اللام للقسم، كما أقسم في آية أخرى:{فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: ٨٢]
وعجيب أمر إبليس، يقسم بالله وهو يعلم أن العمر والأجل بيده سبحانه، فيسأله أن يُؤخّره، ومع ذلك لا يطيع أمره.