وحين يقول الحق «قطعناهم» فهذه عودة لقوم موسى، ونعرف أن القرآن لا يخصص كأي كتاب فصلاً لموسى وآخر لعيسى وثالثاً لمحمد، لا، بل يجعل من المنهج الإِيماني عجينة واحدة في الدعوة، فيأتي بقضية عيسى، ثم يدخل في الدعوة قضية موسى وغيره وهكذا، ثم يرجع إلى القضية الأصلية كي يستغل انفعالات النفس بعد أي قصة من القصص.
وهنا يعود الحق سبحانه لقوم موسى مرة أخرى. فبعد أن أنصفهم وبيّن أن فيهم أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. يقول:{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} . والمقصود هنا بنو إسرائيل، ومعنى «قطعت الشيء» أن الشيء كان له تمام وجودي مع بعضه، ثم قطعته وفصلت بعضه عن بعض، وجعلته قطعاً وأجزاء. فهم كلهم بنو إسرائيل، ولكن الحق يوضح أنه قطعهم وجعلهم «أسباطاً» ، و «السبط» هو ولد والولد، وهم هنا أولاد سيدنا يعقوب وكانوا اثني عشر ولداً، وحكت سورة يوسف وقالت:{ ... ياأبت إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[يوسف: ٤]
وحين تعد وتحصي ستجد أحد عشر كوكباً مرئية، وتضم إليها الشمس والقمر والرائي، فيصير العدد أربعة عشر واترك الشمس والقمر لأنهما يرمزان إلى يعقوب وزوجه، وخذ الأحد عشر كوكباً، وأضف الرائي وهو يوسف فيكون العدد اثنى عشر. وهؤلاء هم الاثنى عشر سبطاً، فقد أنجب سيدنا يعقوب اثنى عشر ابناً من أمهات مختلفة، وعرفنا من قبل أن الأمهات حين تتعدد فالميول الأهوائية بين الأبناء قد تتعاند. ولذلك تنبأ سيدنا يعقوب وقال لسيدنا يوسف:{لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً ... }[يوسف: ٥]