وتلحظ أنه لم يَضِنّ عليك بصفة الخَلْق؛ لأنك استعملتَ الأسباب وأَعلمتَ الفكر، فكان لك شيء من الخلق، لكن ربَّك أحسنُ الخالقين؛ لأنك خلقتَ من باطن خِلْقته، خلقتَ من موجود، وهو سبحانه يخلق من عدم، خلقتَ شيئاً جامداً لا حياة فيه، وخلق سبحانه شيئاً نامياً، يتكاثر بذاته.
ومن هنا سُمِّي المال الذي تُخرجه للفقراء زكاةً؛ لأنه يُطهِّر الباقي ويُنمِّيه. ومن العجائب أن الله تعالى سَمّى ما يخرج من المال زكاة ونماءً، وسَمَّى زيادة الربا مَحْقاً.
فمعنى:{وذلك جَزَآءُ مَن تزكى}[طه: ٧٦] أي: تطهَّر من المعاصي، ثم نَمَّى نفسه، ومعنى التنمية هنا ارتقاءات المؤمن في درجات الوصول للحق، فهو مؤمن بداية، لكن يزيد إيمانه وينمو ويرتقي يوماً بعد يوم، وكلما ازداد إيمانه ازداد قُرْبه من ربه، وازدادت فيوضات الله عليه. والطهارة للأشياء سابقة على تنميتها؛ لأن دَرْء المفسدة مُقدَّم على جلب المصلحة.
إذن: زكَّى نفسه: طهَّرها أولاً، ثم يُنمِّيها ثانياً، كمَنْ يريد التجارة، فعليه أولاً أن يأتي برأس المال الطاهر من حلال ثم يُنمِّيه، لكن لا تأتي برأس المال مُدنّساً ثم تُنمِّيه بما فيه من دَنَسٍ.
وكلما نَمَّى الإنسانُ إيمانَهُ ارتقى في درجاته، فكانت له الدرجات العُلاَ في الآخرة.