للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى في أمور الدنيا وأهلها، قد ترى جباراً يضرب الناس، ويُخضعِهم لأمره ونهيه، فيطيعونه طاعةَ قوالب، إنما أيستطيع أنْ يُخضِع بجبروته قلوبهم؟!

وقال: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤] خَصَّ الأعناق؛ لأنها مظهر الخضوع، فأول الخضوع أنْ تلوى الأعناق، أو الأعناق تُطلَق عند العرب على وجوه القوم وأعيانهم؛ لذلك يقولون في التهديد: هذه مسألة تضيع فيها رقاب.

والمراد: الرقاب الكبيرة ذات الشأن، لا رقاب لمامة القوم، والضعفاء، أو العاجزين. ومثلها كلمة صدور القوم يعني: أعيانهم والمقدَّمين منهم الذين يملأون العيون.

والمعنى: فأنت لا تُخضِع الناس؛ لأني لو أردتُ أنْ أُخضعهم لأخضعتُهم؛ لذلك يقول تعالى في آية آخرى: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] .

فإذا كان ربك لا يُكرِه الناسَ على الإيمان، أفتُكرههم أنت؟ ولماذا الإكراه في دين الله؟ : إن الحق تبارك وتعالى يوالي تنزيل القرآن عليهم آية بعد آية فلعل نجماً من نجومه يصادف فراغاً، وقلباً صافياً من الموجدة على رسول الله فيؤمن.

لكن هيهات لمثل هؤلاء الذين طُبِعوا على اللدد والعناد والجحود أن يؤمنوا؛ لذلك يقول الله عنهم: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: ١٤] .

وقال عنهم:

<<  <  ج: ص:  >  >>