شيئاً ما هو حقيقة، وهو غير ذلك ولا واقع له. فإذا أنت على سبيل المثال قلت: إن الأرض مبسوطة، ثم جاءوا لك بصورة الأرض كروية وأصررت على أنها مبسوطة، فهذا جهل وإصرار عليه. وفرق بين الجاهل والأمي، فالأمي الذي لم يكن يعرف أن الأرض كروية، ثم علم حقيقة العلم وصدقها فهو مذ عرف الواقع صدقه وآمن به. ولكن الجاهل يؤمن بما يخالف الواقع. فإن جئت له بالحقيقة أخذ يجادل فيها مُصراً على رأيه. ولذلك نجد مصيبة الدنيا كلها ليست من الأميين، ولكن من الجهلة لأن الأمي يحتاج إلى مجهود فكري واحد، أن تنقل له المعلومة فيصدقها، أما الجاهل فإقناعه يقتضي مجهودين: الجهد الأول: أن تخرج ما في عقله من معلومات خاطئة، وأوهام ليست موجودة في الواقع، والجهد الثاني: أن تقنعه بالحقيقة.
وإذا كان هناك واقع في الحياة تستطيع أن تدلل عليه فهذا هو العلم. فإن لم تستطع التدليل عليه فهذا هو التلقين، والمثال: أننا حين نُلقن الطفل الصغير أن الله أحد، وهو لم يبلغ السن التي تستطيع عقلياً أن تدلل له فيها على ذلك. ولكنك قلت له: إن الله أحد، وجزم بها الطفل، وهذه حقيقة واقعة، ولكنه لا يستطيع أن يدلل عليها.
وهو في هذه الحالة يُقلد أباه أو أمه أو مَنْ لقنه هذا الكلام حتى ينضج عقله ويستطيع أن يدلل على ما اعتقده في صغره بالتلقين.
إذن: فالعلم يقتضي أن تؤمن بقضية واقعية عليها دليل، ولكن إن كنت لم تصل إلى مرحلة الجزم؛ تكون في ذهنك نسبتان؛ وليست نسبة واحدة. فإن لم ترجع نسبة على الأخرى، فهذا هو الشك. وإن ظننتَ أنت أن إحداهما راجحة فهذا هو الظن، فإن أخذت بالنسبة غير الراجحة فهذا هو الوهم.