الحق سبحانه وتعالى يقول:{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} ولو استقر في قلوبهم الايمان اليقيني بالله واليوم الآخر، وأن مَردَّهم إلى الله سبحانه وتعالى، وأنهم سوف يحاسبون على ما قدموا، واعتبروا أن تضحيتهم بالمال والنفس عمل قليل بالنسبة للجزاء الكبير الذي ينتظرهم في الآخرة، لو كان الأمر كذلك لنا استأذنوا، ولكن ما دام الشك قد دخل قلوبهم فمعنى هذا أن هناك ريبة في أمر ملاقات الله في اليوم الآخر. وهل هذا الأمر حقيقة يقينية؟ ولأنهم يرتابون في هذه المسألة فهل يضحون بأموالهم وأنفسهم من أجل لا شيء، ولذلك يقول عنهم الحق سبحانه وتعالى:{وارتابت قُلُوبُهُمْ} .
إذن: فالارتياب محله القلب، والعلم أيضاً محله القلب، ويمر كل من الارتياب والعلم علىلعقل؛ لأن العقل هو الذي يُصفَّى مثل تلك المسائل بعد أن يستقبل المحسَّات ويناقش المقدمات والنتائج، فإن صفَّى العقل هذه الأمور واستقر على الإيمان، هنا يصبح الإيمان قضية يقينية ثابتة مستقرة في القلب، ولا تطفو مرة أخرى إلى العقل لتُناقَش من جديد، ولذلك سمَّوْها عقيدة، أي عقدت الشيء حتى يستقر في مكانه ولا يتزحزح.
إن الطفل - مثلاً - إنْ قرَّب يده إلى شيء مشتعل فأحس بلسعة النار. هنا يعرف أن النار محرقة ولا يحاول تكرار نفس التجربة، ولا يناقشها في عقله ليقول: لن تلسعني النار في هذه المرة، بل تستقر في ذهنه المسألة، وتنتقل من قضية حسية إلى قضية عقدية لا تخضع للتجربة من جديد ولا يحتاج فيها إلى دليل.
وهنا يقول الحق سبحانه:{وارتابت قُلُوبُهُمْ} ، وفي آية أخرى يقول سبحانه: