للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدم المدينة، بل وحتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام جالس مع أصحابه إذ بهذا الأعرابي ينيخ بعيره، ويتوجَّه إلى ناحية من نواحي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمام أعين الناس يرفع ثوبه ويجلس ليتخلص من بوله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه منظر يثير الدهشة، سلك طريقاً طويلة لم يجد مكاناً يتبول فيه إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم!!

لذلك أثار فعله هذا حفيظة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا ليمنعوه وينهروه، ولكن الرجل استمر في بوله غير عابئ بتلك الصرخات التي تعالت عليه من جوانب المسجد تستنكر هذا الفعل، إلا أن النبي الكريم والمربي الحكيم أنقذ الموقف بقوله صلى الله عليه وسلم للصحابة: "دعوه".

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يتبوَّل في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه (١) دعوه" (٢) ، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: "إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القَذَر، إنّما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه (٣) (٤) .


(١) لا تُزْرموه: بضم التاء وإسكان الزاي، وبعدها راء، أي: لا تقطعوا عليه بوله. النووي مع مسلم (٣/١٩٠) .
(٢) قال النووي: ((قال العلماء: كان قوله (: دعوه، لمصلحتين: إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به، والثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجس ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد، والله أعلم» ا.?. النووي على مسلم (٣/١٩١) .
(٣) فَشَنَّه عليه: أي صَبَّه. المصدر السابق.
(٤) مسلم، رقم (٦٦١) ، والبخاري مختصراً رقم (٢٢٠) .

<<  <   >  >>