للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانظر إلى هذه الحادثة العجيبة، وكيف ساق الله هذا الأعرابي ليعمل ذلك العمل وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع تلك الحادثة، ليتعلم الصحابة ومن بعدهم إلى يوم الدين الرفق واللين منه عليه الصلاة والسلام.

٢- وهناك موقف آخر حدث لبعض الصحابة تجلت فيه حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته في معالجة الأمور، فقد دخل رجل في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هم كذلك إذ عطس رجل ممن كان يصلي معهم، فَشَمَّت هذا الرجل ذلك العاطس بقوله: ((يرحمك الله)) ويظهر أنه كان قد تعلم أن العاطس يُشَمَّت مطلقاً، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه – أو صاحبه – يرحمك الله ..." الحديث (١) . ولا سيما أن الكلام في الصلاة في أول الإسلام كان جائزا ً، فقد قال زيد بن أرقم رضي الله عنه: ((كنّا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] فأُمِرنا بالسكوت، ونُهِينا عن الكلام)) (٢) . ويظهر أيضاً أنه لم يبلغه النهي، إما لأنه كان يسكن خارج المدينة أو لأمر آخر، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم استدعاه، وعلَّمه تعليماً نبويّاً تجلَّت فيه التربية المحمدية.

عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكْل (٣) أمياه! ما شأنكم تنظرون إليّ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصَمِّتونني لكني سكتّ، فلما صلى


(١) البخاري، رقم (٦٢٢٦) .
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي (٥/٢٦) .
(٣) الثُّكْل: بضم الثاء وإسكان الكاف وبفتحها: فقدان المرأة ولدها. شرح النووي على مسلم (٥/٢٠) .

<<  <   >  >>