للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإذا نطق بالشعر على سبيل الحداء والغناء والترنم، فقد اجمع على إلحاق الألف والواو والياء؛ لأن الترنم يمد فيه الصوت أكثر من مده في النشيد. والمقصود به وبالغناء والحداء والمد. فيقولون:

قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبيْبٍ وَمَنْزِلِيبِسِقْطِ اللِّوَى بَينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِي

وقال النمر بن تولب:

يَسُرُّ الفَتَى طُوْلُ السَّلامَةِ والغِنَى ... فَكَيْفَ تَرى طُوْلَ السَّلامَةِ تَفعَلُ

فصل: فإذا أرادوا النشيد فقد اختلف في الوقف. والأحسن أن تعطى كل حركة حقها. فمنهم من يقف على الروي بالسكون فينشد:

أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلُ وَالعِتَابْ ... وَقُولِي إنْ أَصَبْتُ لّقّدْ أصَابْ

وكذلك يفعل في المضموم والمكسور. فإذا أتى في القصيدة المنصوبة ما هو منون من مصدر أو غيره وقفوا بالألف كقوله:

وَوَجْدٍ طَوَيتُ يَكادُ مِنْهُ ... ضَمِيرُ القَلْبِ يَلْتَهِبُ التِهَابَا

ويختارون الوقوف بالألف في الوزن القصير كقوله:

أَعْطَى عَطَاءً حَسَنا وَرِزْقَا

ومنهم من لا ينون شيئاً، وهم أهل الحجاز، فينشدون القصيدة من أولها إلى آخرها ولا ينونون شيئاً على ما مضى في الترنم.

ومنهم من يعطي كل قافية قسطها فينون المنون ويجري ما ليس منوناً على صلاته فينشد:

قِفَا نَبْت مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِبِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِنْ

وينشد ............. مَنْ جَنُوبِ وَشَمْأَلِنْ وينشد ............. بِرَبَّا القَرَنْفُلِن ومنهم من يحذف واو الجميع فينشد:

لا يُبْعِدُ اللهُ جِيرَاناً لَمَال ظَعَنُوالَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَداةِ البَيْنِ مَا صَنَعُ

وينشد أيضاً بقوله:

جَزَيْتُ ابنَ أَوْفَى بِالمدينةِ قَرْضةُ ... وَقُلْتُ لِشُّفَاعِ المَدِينَةِ أَوجِفُ

يريد أوجفوا: وهذا أقبح من حذف الصلات لأن هذه الواو هنا مفيدة معنى. وقد أجرى من حذف الصلات الياء التي من الأصل، مجرى الياء التي للوصل، فأنشد:

وَلأنْتَ تَفْرِي ممَا خَلَقْتَ وَبَعضُ القَومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِ

بحذف الياء من يفرى وكذلك واو يدعو إذا كانت العين للروي. فإن كانت روي الشعر فلا يجوز حذفها.

ومنهم من يحذف بالإضمار. قال سعيد بن مسعدة: أخبرني من أثق به، أنه سمع من العرب:

وَهُمْ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ ... وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكاظَ إنِّ

يريد إني.

ومن العرب من ينون ما يجوز فيه التنوين وما لا يجوز فينشد:

أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضُ هَذَا التَّدَلُّلِنْوَإنْ كَنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرمِي فَاجْمِلنْ

ويحكى أن رؤبة أنشد قصيدته التي أولها:

وَقَائِمِ الأعْمَاقِ خَاوِي المُخْنَرَقْ

فنونّ جميع قوافيها.

قال قطرب: حدثني من سمعه ينشدها بالتنوين، قال بعضهم: إنما فعل ذلك لأنه اعتاد التنوين في غيرها. وقال بعضهم: إنما إن بمعنى نعم. فكأنه أتبع كل بيت نعم على حد التخفيف للهمزة. وهذا أقبح ما يستعمل في الإنشاد لخروجه عن الوزن، ولأنه لا يستعمل في الكلام المنثور.

وكلما كانت الصلة من الأصل مثل واو يدعو وألف يخشى وياء يرمي كان حذفها أبعد.

وقد أنشد بعضهم قول يزيد بن الحكم الثقفي:

جَمَعْت وَفحشاً غِيبَةً وَنَمِيمَةً ... ثَلاَثَ خِلالٍ لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِ

وأنشد قطرب:

تُكَاشِرُنِي كَرْهاً كَأَنَّكَ نَاصِحٌ ... وَغَيبُكَ يُبْدِي أنَّ صَدْرَكَ لِي دَوِ

يريد دوى. وأنشد أيضاً:

عَدُوُّكَ يَخْشَى صَولَتي أَنْ تَرُومُني ... وَأنْتَ عَدُوِّي لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَوِ

يريد بمستوٍ. وهذا قبيح من أجل أنه حذف حرفاً أصلياً.

قال بعض أهل العلم: الأحسن إثبات الياء من قبل أن الواو إذا كانت قبلها فتحة، انقلبت ألفاً. كما يفعل بها في الترخيم.

[الباب السادس]

[عيوب القافية]

الإقواء

<<  <   >  >>